السؤال
ما حكم دخول المرأة الحائض للمسجد؟ سواء أكانت معلمة أو متعلمة؟
الإجابة
أقول وبالله التوفيق: نص سادتنا الحنفية على عدم جواز دخول الحائض المسجد مطلقاً؛ لأن ما بها من الأذى فوق أذى الجنابة؛ لتمكنها من إزالة أذى الجنابة دون أذى الحيض، ثم الجنابة تمنعها عن دخول المسجد، فالحيض أولى، ويشمل هذا المنع العبور بلا مكث إلا في الضرورة كالخوف من السبع واللص والبرد والعطش، والأولى أن تتيمم ثم تدخل، كما في ذخر المتأهلين ومنهل الواردين(ص145)، والمحيط البرهاني(1: 403)، والوقاية(ص125).
ويدخل في حكم كلّ ما أُعدَّ للصلاة من بناء المسجد بخلاف ساحته وظلة بابه، فقد صرح ابن نُجيم في البحر الرائق(1: 205) أن المصلَّى لا يأخذ حكم المسجد: « فلهذا لا تمنع من دخول مصلَّى العيد والجنائز والمدرسة والرباط؛ ولهذا قال في «الخلاصة» المتخذ لصلاة الجنازة والعيد الأصح أنه ليس له حكم المسج، واختار في «القنية» من «كتاب الوقف»: أن المدرسة إذا كان لا يمنع أهلها الناس من الصلاة في مسجدها فهي مسجد.
وفي « فتاوى قاضي خان»: «وفناء المسجد له حكم المسجد في حق جواز الاقتداء بالإمام، وإن لم تكن الصفوف متصلة ولا المسجد ملآن». وأما في جواز دخول الحائض فليس للفناء حكم المسجد فيه.
وظلة باب المسجد لها حكمه في حق جواز الاقتداء لا في حرمة الدخول للجنب والحائض كما لا يخفى». ودليل ما سبق:
1.قال : « إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» في صحيح ابن خزيمة(2: 284)، وسنن أبي داود(1: 60)، ومسند إسحاق بن راهويه(3: 1032)، وسنن البيهقي الكبير(2: 442).
2.قال :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[النساء: 43]، قال الجصاص في أحكام القرآن(2: 290): « روي عن علي وابن عباس في تأويله أن المراد المسافر الذي لا يجد الماء فيتيمم، أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد وذلك لأن قوله تعالى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} نهي عن فعل الصلاة نفسها في هذه الحال لا عند المسجد؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن تجعل الصلاة عبارة عن موضعها...».
وذهب السادة المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية من حرمة دخول المسجد مطلقاً سواء للمكث أو العبور، وذهب الشافعية والحنابلة إلى حرمة مرورها في المسجد إن خافت تلويثه؛ لأن تلويثه بالنجاسة محرم، والوسائل لها حكم المقاصد. فإن أمنت تلويثه فذهب الشافعية إلى كراهة عبورها المسجد، ومحل الكراهة إذا عبرت لغير حاجة، ومن الحاجة المرور من المسجد، لبعد بيتها من طريق خارج المسجد وقربه من المسجد. وذهب الحنابلة إلى أنها لا تمنع من مرورها في المسجد حينئذٍ. كما في « الموسوعة الفقهية الكويتية» (18: 323).
وفي المجموع (2: 184): « مذاهب العلماء في مكث الجنب في المسجد وعبوره فيه بلا مكث، مذهبنا أنه يحرم عليه المكث في المسجد جالسا أو قائما أو متردداً أو على أي حال كان، متوضئاً كان أو غيره، ويجوز له العبور من غير لبث، سواء كان له حاجة أم لا، وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومالك. وحكي عن سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أنه لا يجوز له العبور إلا أن لا يجد بُداً منه فيتوضأ ثم يمر. وقال أحمد : يحرم المكث ويباح العبور لحاجة ولا يباح لغير حاجة...».
وفي المغني (1: 97): « ليس للحائض والجنب اللبث في المسجد»، وفي المغني (1: 98): « إذا توضأ الجنب فله الُلبث في المسجد في قول أصحابنا وإسحاق، وقال أكثر أهل العلم: لا يجوز؛ للآية والخبر،...فأما الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث لأن وضوءها لا يصح». وينظر: دقائق أولي النهى (1: 82).
وشَذّ ابن حزم في المحلى (1: 400): « بجواز دخول المسجد للجنب والحائض»، ومن المعلوم عند أهل العلم والفضل عدم التعويل على شيء من شذوذاته، وعدم اعتبارها والتعويل عليها في الفتوى.
وسألت أستاذنا الدكتور أكرم عبد الوهاب هل من رخصة لجواز تدريس النساء ووعظهن في المسجد لصاحبة «الحيض» فأفتى بعدم الجواز مطلقاً وإن كانت المرأة تتقاضى الأجرة على تدريسها ووعظها، فلا حلية في هذا الكسب، وأخبر بالدخول في حكم المسجد لكل ما يتصل به وإن علا أو سفل طالما عُدَّ من المسجد، ويعتبر المسجد مسجداً وإن لم تصل فيه الصلوات الخمس، ولو هجر ما دام موقوفاً على أنه مسجد.
وسألت شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور عبد الملك السعدي هل من رخصة للمرأة المعلمة أو المتعلمة في دخول المسجد للعلم فأجاب بعدم جواز دخولها كلّ ما أعدَّ من المسجد بأن يصلى فيه عادة وهو من ضمن المسجد إلا إذا كانت قاعات خارجية أو ساحات أو شابهها قد تصل الصفوف لها في حالات استثنائية.
وقال الشيخ النعسان في الفتاوى الشرعية(ص36): « لا يجوز دخول المرأة الحائض، وكذلك الجنب إلى المسجد، ولو كان بقصد التعلم أو التعليم». والله أعلم.