إن أوّل زيادة للصلاة والسلام بعد كلّ أذان على المنارة كانت في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد ابن المنصور قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبذي، وذلك في شعبان (791هـ)، وكان حدث قبل ذلك في أيام السلطان صلاح الدين بن أيوب أن يقال قبل أذان الفجر في كل ليلة بمصر والشام: السلام على رسول الله، واستمر ذلك إلى سنة (767هـ)، فزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسي أن يقال: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، ثم جعل في عقب كل أذان سنة (791هـ)،ينظر: الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي ص26-27. قال المطيعي في ((أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام)) ص43-45: ((ثم استمرَّ العملُ على زيادتهما بعد كلّ أذان في جميع الأوقات إلاَّ في المغرب؛ لضيق وقتها، وفي الصبح؛ للمحافظة على فضل التغليس بها على قولٍ عملاً بالأحاديث الواردة في ذلك، ولا يلزمُ من ذلك أن فعلَهما بدعة مذمومة شرعاً، بل فعلهما كذلك سنة حينئذٍ لدخوله تحت الأمر في قوله جل جلاله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) الأحزاب: 56، فإن الأمر في هذه الآية مطلق، وهو قطعيُّ الدّلالة قطعيُّ الثّبوت، فيفيد الفرضيَّة، لكن لإطلاقه يتحقق امتثاله بمرّة ولا يقتضي التكرار، وأمّا ما زاد عليها فهو سنَّة؛ لأنه داخل تحت الأمر أيضاً ومن جزئيات المأمور به، ولا فرق في ذلك بين السرِّ والجهر، وبين مكانٍ ومكان، وزمانٍ وزمان، وبين أن يكون عقبَ الأذان أو لا، فإن كلَّ ذلك داخلٌ تحت الأمر المطلق في الآية ومن جزئيات المأمور به، فإنه لم يُقَيِّدْ الأمرَ فيها بحالٍ دون حال، أو مكان دون مكان، أو زمان دون زمان، والموصول والمنادى فيها عامٌ يعمُّ جميعَ المكلّفين، فالضميرُ العائدُ عليه في الأمر كذلك؛ ولدخول فعلهما أيضاً تحت الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا وسلِّموا علىَّ...))، إلى آخر الحديث، في صحيح البخاري 1: 221، وصحيح مسلم 1: 288، وهو حديث صحيح، والأمرُ فيه أيضاً مطلقٌ على وجهِ ما تقدَّم، وكما يدخلُ فيه غير المؤذِّن يدخل المؤذِّنُ، وكان مأموراً كغيره ممن يسمعُهُ بفعلِهما عقبَ الأذان بلا فرقٍ بين أن يكون مع رفعِ صوتٍ، وأن يكون بدونه، وعلى المنارة وغيرها، ولا يلزم من عدم فعلهما في زمنه صلى الله عليه وسلم أن يكون فعلُهما بدعةً مذمومةً شرعاً؛ لأن السُنة كما تثبتُ بفعله تثبتُ بقوله، وفعلُهما داخلٌ تحت الأمر القولي من الكتاب والسُنة كما علمت، ولذا قال ابنُ الأثير: البدعة: بدعتان بدعة هدى، وبدعة ضلالة، ثم عرَّفَ بدعةَ الضلالةِ المذمومة: بأنها المخالفة للشرع المنافية له، وعرَّفَ بدعة الهدى: بأنها التي وقعت في عموم ما طلبه الله ورسوله، أو التي لم تكن مخالفة له وليس لها مثالٌ سابق كنوعٍ من الجودِ والثناء لم يكن في الصّدر الأول، ثم قال: لا يجوز أن نعتقد بدعةَ الهدى ضلالة مخالفة للشرع؛ لأن الشارع سمَّاها سنة ووعد فاعلَها أجراً، فقال صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً فعملَ بها بعده كتب له مثل أجر مَن عمل بها ولا ينقصُ من أجورِهِم شيء))، في صحيح مسلم 4: 2059، وصحيح ابن خزيمة 4: 112. انتهى من النهاية في غريب الأثر لابن الأثير 1: 106)).