هل يجوز إخراج قيمة إطعام ستين مسكين في كفارة الإفطار في رمضان

السؤال
هل يجوز إخراج قيمة إطعام ستين مسكين في كفارة الإفطار في رمضان؟
الإجابة
نعم يجوز دفع القيمة مطلقاً في الكفارات، وكذا في الزكاة والنذور وغيرها، قال الإمام المحدث الفقيه بدر الدين العَيْني في ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري))9: 8: ((واعلم أن دفع القيمة في الزكاة جائز عندنا، وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والخراج والنذر، وهو قول عمر وابنه عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وطاوس رضي الله عنهم، وقال الثوري: يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها، وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عن أحمد، ولو أعطى عرضاً عن ذهب وفضة، قال: أشهب يجوز، وقال الطرطوشي: هذا قول بيِّن في جواز إخراج القيم في الزكاة، قال وأجمع أصحابنا ـ من المالكية ـ على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه، وكذلك إذا أعطى درهماً عن فضة عند مالك رضي الله عنه... وهو وجه للشافعية، وأجاز ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين))؛ فقد قال النبي لمعاذ رضي الله عنه عند بعثه إلى اليمن: ((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر))، في المستدرك 1: 546، وصححه، وسنن أبي داود 2: 109، وسنن ابن ماجة 1: 508، ومع هذا التعيين الصريح منه صلى الله عليه وسلم، إلا أن معاذاً رضي الله عنه قال لأهل اليمن:((ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير))، في صحيح البخاري 2: 525، لعلمه رضي الله عنه أن المرادَ سد حاجة الفقراء لا خصوص هذه الأعيان، ولذلك قال رضي الله عنه: ((فإنّه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة))، في سنن الدارقطني 2: 100، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولو كان خلاف الشرع المفترض لما أقرّه، ولأمره برد ذلك إلى أهله ونهاه عنه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في خمس من الإبل شاة))، في المستدرك 1: 549، والترمذي 3: 17، وأبي داود 2: 98، وكلمة "في" حقيقة للظرف، وعين الشاة لا توجد في الإبل، فلما أجاز صلى الله عليه وسلم إخراجها من الإبل، وليست الشاة من الإبل، دلّ ذلك على المراد قدرها من المال، وإن ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان كالمواشي، ثبت جواز ذلك في الكفارة، وقد اقتضت حكمة الشرع أمر الناس بإخراج الطعام؛ ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم، ولا يحصل ذلك في زمن الصحابة في النقود؛ لأنها كانت نادرة لا سيما في البوادي، فلو كان الأمر بإعطاء النقود، لتعذر الأمر في إخراجها بالكلية على الفقراء، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذي كان غناهم بالمواشي، وهذا على عكس ما في زماننا من تيسر النقود في أيدي الناس، وتعسر توفر القمح والشعير إلا عند خواص المؤمنين. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجة، فأوجب من التمر والشعير صاعاً، ومن البرّ نصف صاع، وذلك لكونه أعلى ثمناً لقلته بالمدينة في عصره، فدل أنه اعتبر القيمة، ولم يعتبر الأعيان، ولو اعتبرها لسوّى بينها في المقدار. ولأن الزكاة وجبت على كل أحد من ماله الذي عنده، لا يكلف استحضار غيره، والذي عند الناس اليوم هو النقد، فالواجب عليهم الإخراج مما عندهم، ولا يكلفون استحضار الحب الذي ليس عندهم. ولأن القاعدة الشرعية تقول: المشقة تجلب التيسير؛ ومعلوم أن إخراج الطعام فيه مشقة على المعطي في تحصيله، وعلى الفقير في الانتفاع منه وبيعه، فالنقود هي الأصل الذي يتوصّل به إلى كلّ شيء من ضروريات الحياة، فإن الفقراء يحتاجون إلى الملابس، فلا تحصل لهم الإغناء المنفعة بالطعام؛ لانعدام المبادلة في زماننا، وإنما بالنقود؛ إذ يمكنهم شراء ما يحتاجون، بخلاف عصر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يتبادلون السلع بعضها ببعض. ولأن مراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة، وعلل أحكامها التي تنبني عليها، وإخراج المال في هذا العصر يجتمع فيه جلب المصلحة ودفع المفسدة؛ لأن إخراج الحب الذي فيه مصلحة مقرونة بمفسدة إضاعة المال؛ لأن الفقراء سيبيعونه بأبخس الأثمان، فيضيع بذلك مال كثير يمكن للفقراء الاستفادة منه.
imam icon

أرسل سؤالك إلى المساعد الذكي

إذا لم تكن الإجابات السابقة مناسبة، يرجى إرسال سؤالك إلى المفتي عبر