سنن الوضوء

السؤال
ما هي سنن الوضوء؟
الإجابة
أقول وبالله التوفيق: المراد بالسنة في الوضوء هو السنة المؤكدة التي يثاب فاعلها، ويلام تاركها، ويستحق إثماً إن اعتاد تركها. وهي كالآتي: أولاً: الاستنجاء: وهو مسح موضع النجو أو غسله. والنجو: ما يخرج من البطن. وهو سنة بالماء أو بالحجر ونحوه إذا لم يزد النجو على قدر الدرهم؛ فعن أبي هريرة ، قال : «مَن استجمر فليوتر، مَن فعل ذلك فقد أحسن، ومَن لا فلا حرج»، في سنن ابن ماجة 1: 121، وسنن الدارمي 1: 177، ومسند أحمد 2: 371، وشرح معاني الآثار 1: 121. ثانياً: النية: وهي أن يقصد بالقلب الوضوء، أو رفع الحدث، أو عبادة لا تصح إلا بالطهارة؛ لقوله : «إِنما الأَعمالُ بالنيات»، في صحيح البخاري 1: 3. وصحيح مسلم 3: 1515، وهي سنة وليست شرطاً لصحة الوضوء، فلا تتوقف صحة الوضوء على النية؛ لأن الماء طبعه الإزالة والتطهير، فيوجب استعماله حصول الطهارة وإن خلا عن النية؛ لأن طبع الشيء لا يفارقه عنه: كالنار طبعها الإحراق تحرق إذا وجدت محلاً قابلاً للاحتراق، ولا يقول أحد: أن لحيته لا تحترق بالنار إذا لم ينو: وكالطعام والماء، فإن استعمالهما يوجب الإرواء والإشباع بدون انضمام شيء آخر. ثالثاً: تسمية الله تعالى في ابتداءً الوضوء: فعن أبي هريرة  قال : «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، في المستدرك 1: 246، وصححه، والأحاديث المختارة 1: 303، وجامع الترمذي 1: 38، والسنن الصغرى 1: 82. والمراد منه نفي الفضيلة والكمال: كما في قوله : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ، إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ»، أخرجه الحاكم في المستدرك 1/373. رابعاً: غسل اليدين إلى الرُسغين: ـ والرسغ: هو المفصل بين الساعد والكف ـ ثلاثاً: قبل الاستنجاء وبعده على المختار؛ لما روي عن أبي هريرة  قال : «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسنَّ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنّه لا يدري أين باتت يده»، في صحيح مسلم 1: 233، وصحيح ابن خزيمة 1: 74، وصحيح ابن حبان 3: 345. وكيفيةُ الغَسل إن كان الماء في الإناء: إذا كان الإناءُ صغيراً بحيث يمكن رفعُهُ، يرفعُهُ بشمالِه، ويصبُّهُ على كفِّهِ اليمنى، ويغسلُها ثلاثاً، ثمَّ يصبُّ بيمينِهِ على كفِّه اليسرى. وإن كان كبيراً بحيث لا يمكنُ رفعُه، فإن كان معه إناءٌ صغير، يرفعُ الماءَ ويغسلهُما ثلاثاً: أي بأن يرفعه بشماله فيغسل اليمين، ثم بيمينه فيغسل الشمال. وإن لم يكن معه إناء يغرف به فإنه يُدْخِلُ أصابعَ يده اليسرى مضمومة في الإناء، ولا يدخلُ الكفّ؛ لأنه لو أدخل الكفّ صار الماء مستعملاً ـ أي صار الماء الملاقي للكف مستعملاً إذا انفصل لا جميع ماء الإناء ـ، ويصبُّ الماءَ على يمينه، ويدلِّكُ الأصابعَ بعضَها ببعض يفعلُ هكذا ثلاثاً، ثم يدخلُ يمناهُ في الإناءِ بالغاً ما بلغ. خامساً: السواك: لقوله : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»، في صحيح البخاري 2: 682، ووقته: قبل الوضوء؛ حتى تحصل به الفضيلة الواردة في قوله : «فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ، سَبْعِينَ ضِعْفًا»، رواه أحمدُ، والبَزَّار، وأَبُو يَعلى، وابنُ خزيمةَ، والحاكمُ عَنْ عَائِشَةَ، فإنها تحصل بالإتيان به عند الوضوء، فكل صلاة صلاها بذلك الوضوء لها هذه الفضيلة، فإذا نسيه عند المضمضة أو قبلها، فعند القيام إلى الصلاة. سادساً: المضمضة ثلاثاً بماء جديد لكل مضمضة: فعن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده: «أن رسول الله  توضأ فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً يأخذُ لكلِّ واحدةٍ ماءً جديداً»، في المعجم الكبير 19: 180، وحدُّ المضمضة: استيعاب جميع الفم، والمبالغة في أن يصل المال إلى رأس الحلق، والمضمضة سنة في الوضوء وليست فرضاً كما هي في الغسل. سابعاً: الاستنشاق ثلاثاً بماء جديد في كل مرة: لقوله : «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً»، في سنن أبي داود 1: 82، وسنن الترمذي 3: 155، وصححه، وصحيح ابن خزيمة 1: 78. وحدُّ الاستنشاق: أن يصل الماء إلى المارِن ـ ما لان من الأنف ـ ويسن المبالغة فيه بأن يجاوز المارِن؛ والاستنشاق سنة في الوضوء وليس فرضاً كما هو في الغسل. ثامناً: تخليل اللحية: فعن أنس رضي الله عنه: «إن رسول الله  كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلَّلَ به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي عزَّ وجل»، في سنن أبي داود 1: 36، والجامع الصغير 1: 112 للسيوطي، والمعجم الأوسط 3: 221، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 235: رجاله وثقوا. والتخليل يكون باليد اليمنى، وذلك بإدخالها من أسفل بحيث يكون كفّ اليد للداخل من جهة العنق، وظهرها إلى الخارج؛ ليمكن إدخال الماء المأخوذ في خلال الشعر، ينظر: رد المحتار 1: 79، والهداية 1: 13، واللباب شرح الكتاب 1: 10، ومنح الغفار ق7/ب، والفتاوى السراجية 1: 4. تاسعاً: تخليل أصابع اليدين والرجلين: وهو المبالغة في إيصال الماء إلى ما بين أصابع اليدين والرجلين، وهو سنة بعد وصول الماء، فأما قبل وصول الماء فيكون فرضاً، فإن التخليل إكمال لفرض الغسل، إذ ما بين الأصابع من أجزاء الرجل واليد، وإيصال الماء إلى كل الأجزاء فرض، فتكون المبالغة في الإيصال تكميلاً له فيكون سنة. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ  مرفوعاً: «خَلِّلُوا بَيْنَ أَصَابِعِكُمْ، لاَ يُخَلِّلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ»، في سنن الدارقطني 1/95، وعن ابْنَ عَبَّاسٍ  مرفوعاً: «خَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ»، في مسند أحمد 1/287، وقال الشيخ شعيب: إسناده حسن. وعن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ  قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ؟ قَالَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»، في سنن الترمذي 3/155، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وكيفية تخليل أصابع اليد: أن يشبِّك الأصابع، وأصابع الرجل: أن يخلل بخنصر يده اليسرى بادياً من خنصر رجله اليمنى خاتماً بخنصر رجله اليسرى. عاشراً: تثليث الغَسل في الأعضاء التي تغسل: وهي الوجه، واليدين، والرجلين، إذ لا يسن تثليث مسح الرأس، فإن تكراره بالمياه المختلفة بدعة؛ فعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ»، في سنن أبي داود 1/81، وسنن ابن ماجه1/146، وسنن النسائي1/88. حادي عشر: مسح كل الرأس مرّة: فإن السنة في الرأس المسح مرة واحدة، أما تكراره بمياه مختلفة فهو بدعة؛ لأنه يصير غسلاً، أو قريباً منه، فلا يسن تثليثه: كالتيمم، بخلاف الغسل؛ لأن التكرار يحققه. ثاني عشر: مسح الأذنين بالماء المأخوذ للرأس: فعن ابن عباس : «أن رسول الله  توضأ ... ثم غرف غرفة، فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين عدا بإبهاميه إلى ظاهر اليسرى فمسح ظاهرهما وباطنهما»، في صحيح ابن حبان 3: 367، وصحيح ابن خزيمة 1: 77. وعن عبد الله بن زيد ، قال : «الأذنان من الرأس»، في سنن ابن ماجة 1: 152، والمراد: بيان الحكم دون الخلقَة؛ لأنه  لم يبعث لبيان الخلقة. ثالث عشر: الترتيب بين الأعضاء المفروضة: كما هو مذكور في النص القرآني، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} المائدة:6، وذلك بأن يغسل وجهه أولاً، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، وهذا الترتيب ليس بفرض عندنا بل هو سنة؛ لمواظبة النبي  عليه، وهذا دليل السنية. وعليه لو أن شخص انغمس في الماء جاز وضوئه؛ لأن المقصود هو الطهارة، وقد حصل بدون الترتيب. رابع عشر: الموالاة في غسل الأعضاء المفروضة: وهو أن يغسلها على سبيل التعاقب بحيث لا يجف العضو الأول قبل غسل العضو الثاني عند اعتدال الهواء، بأن يجمع بين أعضاء الوضوء في الغَسّل في موضع واحد، ولا يشتغل في أثناء الوضوء بعمل آخر بحيث يجف باشتغاله بعض أعضاء الوضوء، أما لو جفَّفَ الوجه، أَو اليد بالمنديلِ قبل غسل الرجل لم يترك الولاء. ينظر: مجمع الأنهر 1: 15، وفتح باب العناية 1: 56، وشرح الوقاية ص83، والوقاية 56، وبدائع الصنائع 1: 22، والكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل للإمام اللكنوي ص23، والله أعلم.
imam icon

أرسل سؤالك إلى المساعد الذكي

إذا لم تكن الإجابات السابقة مناسبة، يرجى إرسال سؤالك إلى المفتي عبر