الإجابة
أقول وبالله التوفيق: الماء الراكد إما أن يكون قليلاً أو كثيراً: أولاً: الماء القليل الراكد: وهو ما كانت مساحته أقل من عشرة أذرع في عشرة أذرع ـ أي ما يساوي (25) متر مربع مساحة سطح الماء، وعمق ما لا تبدو الأرض بالاغتراف منه ـ وحكم الماء القليل إذا كان راكداً: أنه ينجس بوقوع النجاسة فيه، إذا علم وقوعها فيه يقيناً أو بغلبة الظنّ، وإن لم يظهر أثر النجاسة فيه؛ لما أخرجه البخاري عن أبي هريرة : «أنه سمع رسول الله يقول: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه». ثانياً: الماء الكثير الراكد: وهو ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الآخر ، وحدده العلماء بالمساحة، فقدروها بعشرة أذرع في عشرة أذرع ـ أي ما يساوي (25) متر مربع مساحة سطح الماء، وعمق ما لا تبدو الأرض بالاغتراف منه ـ وحكم الماء الكثير إذا كان راكداً: أنه لا ينجس إلا إذا رأى أثر النجاسة فيه من تغيير طعمه، أو لونه، أو ريحه، حتى موضع الوقوع، ولو كان للنجاسة جرم، بأن كانت مرئية وظاهرة فلا يتوضأ من مكانها؛ وحجّة تقدير الماء الكثير بكونه عشرة بعشرة: إن أصل المسألة أن الغديرَ العظيمَ الذي لا يتحرَّكُ أحدُ طرفيه بتحريك الطَّرف الآخر إذا وقعتْ النَّجاسةُ في أحدِ جوانبهِ جاز الوضوءُ في الجانبِ الآخر، ثمَّ قُدِّرَ هذا بعشرٍ في عشر.
وإنما قُدِّرَ به بناءً على ما وري من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مغفل ، قال : «مَن حفرَ بئْرَاً فله حولها أربعون ذراعاً»، في سنن ابن ماجه2: 831، ومسند أحمد 2: 494، وسنن الدارقطني 4: 220، والتحقيق في أحاديث الخلاف 2: 225، وقد استوفى طرقه الزيلعي في نصب الراية 4: 291-292، ورد كلام الدارقطني بأن الصحيح أنه مرسل.
فيكون له حريمها من كلِّ جانبٍ عشرة، ففهمَ من هذا أنه إذا أرادَ آخرٌ أن يحفرَ في حريمها بئراً يُمْنَعُ منه؛ لأنه ينجذبُ الماءُ إليها، وينقصُ الماءُ في البئرِ الأُولَى، وإن أراد آخر أن يحفر حفرة لإلقاء النجاسات ونحوها وسيلان الميزاب في حريم البئر الأولى لا يسعه ذلك؛ لسرايةِ النَّجاسةِ إلى البئرِ الأُولَى، وتنجيس مائها، ولا يُمْنَعُ منها فيما وراءَ الحريم، وهو عشرٌ في عشر، فعُلِمَ أنَّ الشَّرعَ اعتبر العشرةَ في العشرةِ في عدمِ سرايةِ النَّجاسة، حتى لو كانتْ النَّجاسةُ تسري، يحكمُ بالمنع، ينظر: عمدة الرعاية 1: 88، وشرح الوقاية ص99، والتعليق الممجد على موطأ محمد 1: 269-270، والسعاية ص370-385، والبدائع 1: 72، والمبسوط 1: 70-71، والله أعلم.